الرواية الرسمية التي لفقتها الحكومة الصينية عن سقوط لين بياو


  تدعي الرواية الرسمية للحكومة الصينية في عهد ماو تسي تونغ – والتي تصر عليها الحكومة الصينية الرأسمالية الحالية (وهذا له دلالته) – ان لين بياو شرع في 8 سبتمبر 1971 في عمل عسكري للاستيلاء على الحكم واغتيال الزعيم ماو تسي تونغ، إلا أن منافساً له كشف خطته مما مكن ماو من إحباط مخططه، فحاول لين بياو على اثر ذلك الهروب برفقة أسرته إلى الاتحاد السوفيتي. ولكنه لقي مصرعه وعائلته، خلال محاولة الهرب، بتحطم الطائرة التي كان يستقلها، في ظروف غامضة (13 سبتمبر 1971)، في اندرخان (undurkhan) بمنغوليا.

   ولم تعلن الحكومة الصينية عن مصرعه إلا أواخر عام 1972!!

   كان القائد لين بياو، يعتبر الشخصية السياسية والعسكرية الأكثر أهمية في الصين. وكان مقدراً أن يصبح خليفة الزعيم ماوتسي تونغ، وإذ به يختفى ذات يوم من على المسرح السياسي دون إيضاحات ولم يعد يشاهد بعدها !

   إنه فصل أسود نادرة من الصراع السياسي في جمهورية الصين الشعبية، والقائد لين بياو لم يكن شخصية عابرة في التاريخ السياسي الحديث للصين، فهو من القادة التاريخيين ممن رافقوا الزعيم ماو في مسيرة تحرير الصين وفي قيادة الحزب، ومن ابرز قادة الثورة الثقافية (في ستينات القرن المنصرم) وشخصية مهمة في الزعامة الصينية.

   اختفى هذا القائد دون إيضاحات كافية للشعب، ولأصدقاء الصين قبل خصومها!!

   أرخى الظلام سدوله على ميدان تيان آمين، وفي فترة ما بعد الظهيرة، بدأت مكبرات الصوت بإذاعة موسيقى ومارشات عسكرية، وأجرى الآلاف من الطلاب والجنود تجربة مسيرة الأول من أكتوبر/ تشرين الأول حيث سيجري الاحتفال بمناسبة الذكرى الثانية والعشرون لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. ولكن الهدوء عاد الآن إلى عاصمة الملايين، بكين، وقد خلت الساحة تقريباً منهم. ولكن سرعان ما عاد ضجيج الدراجات البخارية يحرك هدوء المساء فيما تقاطرت عربات الليموزين السوداء أمام البناية الكبرى لنواب الشعب، التي تقل الشخصيات السياسية البارزة في جمهورية الصين الشعبية والحزب الشيوعي الصيني، يدخلون البناية بخطوات مسرعة، وكان رئيس الوزراء زهاو من بين الحاضرين أيضاَ هذا الاجتماع المسائي، ولكن الغائب الأكبر كان: لين بياو وزير الدفاع ونائب الزعيم ماو، وخليفته المعلن، والرجل الثاني في البلاد.

   وفي نفس الليلة، كانت طائرة نفاثة من طراز ترايدنت قد أقلعت من مطار بيداهي (حوالي 240 كم شرقي العاصمة بكين)، وحلقت باتجاه الشمال وقطعت حوالي الساعة الثانية فجراً الحدود مع جمهورية منغوليا الشعبية، لكنها وبعد نصف ساعة هوت الطائرة وتحطمت على الأرض. وعثرت فرق الإنقاذ بين حطام الطائرة على بقايا بدلات عسكرية للقوات الجوية الصينية، ووثائق ممزقة وأسلحة وجثث متفحمة.

   هذا ما حدث في 12 أيلول – سبتمبر 1971، ولكن ما ظل في طي الكتمان هو: كيف حدث ذلك ؟ وما هي مداخلات الحادث؟

   وما لفت الأنظار، أن وزير الدفاع لين بياو قد اختفى مع عدد من الضباط من الرتب العالية، من دائرة الأضواء، ولم تعد تذكر أسمائهم. كما أن الوكالة الرسمية للأنباء الصينية (شينخوا)، لم تقدم إيضاحاً عن ذلك، بيد أن المراقبين الغربيين رجحوا أن صراعاً قوياً على السلطة يدور خلف الكواليس، وهو افتراض أثبت صحته فيما بعد.

   وكان الصراع على السلطة قد ابتدأ قبل ذلك ببضعة أعوام، عندما أعلن ماوتسي تونغ الثورة الثقافية عام 1965 التي لم تهدف إلى تعبئة الوعي الثوري لدى العمال والفلاحين والشباب فحسب، بل وفي الوقت نفسه، عبرت عن محاولة لإعادة ترتيب صفوف القيادات حيال تفشي اتجاهات ومجموعات تحريفية كانت تحيط بالزعيم ماو وتسعى للاطاحة بالنظام الاشتراكي واعادة الرأسمالية في الصين.

   كان ليوشاوشي، رئيس الجمهورية، على رأس هذه المجموعات. وفي مطلع صيف عام 1966  تمكن من حشد عدد كاف من أنصاره داخل الحزب من أجل تحقيق هذا التوجه، ثم لإبعاد الزعيم ماو من قيادة الحزب الشيوعي. ولافشال هذا المشروع الرأسمالي المضاد للثورة، اقتحمت قوات لين بياو العاصمة بكين وسيطرت عليها وعلى مقر قيادة الحزب، وعزلت كبار أعوان ليو شاوشي الذي أختفى عن المسرح السياسي.

   لم يحقق اليسار الثوري الغلبة على اليمينيين خلال الثورة الثقافية، إلا بعد تدخل الجيش كقوة منظمة، حيث أخذ العسكريون على عاتقهم واجبات الإدارة، وسيطروا وأداروا المحافظات والموظفين المحليين، ومارسوا هيمنتهم على الموضوعات الأساسية، وعلى الواقع العملي الاقتصادي اعتماداً على الايدولوجيا، فيما مثلت موضوعات الثورة الثقافية الخلفية النظرية لها.  وكان المعارض الرئيسي لهذه التوجهات هو رئيس الوزراء زهاو، الذي طالب بإنهاء الصراع الأيديولوجي، وإعادة الكثير من الكوادر الحزبية، التي طردت خلال الثورة الثقافية، إلى وظائفهم.

   واجه لين بياو وقادة آخرين من القيادات العسكرية، هذا التحول السياسي الجديد نحو اليمين، بمقاومة شرسة، ووجدوا أن الوقت قد حان لكي يجعلوا من الجيش القوة الحاسمة في الآيديولوجيا والسياسة. وعندما أنعقد مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني في ابريل – نيسان / 1969 كرس لين بياو كخليفة رسمي للزعيم ماو، وبعد عام ونصف فقط كان لين بياو قد تمكن من تهديد زهاو بزج مجموعة من انصاره اليمينيين في السجن.

   ترى أي دور كان لماو في هذا الصراع من أجل السلطة ؟ ها كان حقاً يدعم لين بياو، أم أنه تحول إلى زهاو ؟ قراران أوضحا إلى جهة أنحاز الزعيم ماو.

   كان القرار الحاسم الأول: كان ذو طبيعة سياسية داخلية حيث ألغى ماوتسي تونغ منصب رئيس الدولة الذي شغله منذ البدء ليوشاوشي، وكان لين بياو يأمل أن يشغل بنفسه هذا المنصب، وكان كوزيراً للدفاع أقل درجة بروتكولياً من غريمه زهاو. وبهذه الخطوة قوض ماو قرار عام 1969 إلذي كان قد كرس لين بياو كخليفة له وكرجل ثان في الدولة كنتيجة لذلك.

   والقرار الحاسم الثاني: كان ذو طبيعة سياسية خارجية، حيث دعا رئيس الوزراء زهاو باسم الزعيم ماو الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون لزيارة الصين، فطالب لين بياو، على النقيض من توجه رئيس الوزراء زهاو، بالتصالح مع الاتحاد السوفيتي.

   كان ذلك في نهاية صيف 1971، عندما أختفي لين بياو، وكان ذلك يدل بوضوح على تحول الزعيم ماو عن رفيق كفاحه في المسيرة الكبرى والحرب التحرير وانحرافه نحو اليمين.

   حتى وإن لم يكن هناك إيضاح رسمي، تسربت الأنباء والتقديرات، وأفضل تلك اللواقط هي صحف هونك وكونك التي كانت ومنذ أكتوبر 1971 كانت قد ذكرت، أن لين بياو كان في عداد ركاب الطائرة الصينية التي سقطت على أراضي جمهورية منغوليا الشعبية حيث كان يحاول الهروب إلى الاتحاد السوفيتي.

   وفي عام 1973 زعم الحزب الشيوعي الصيني، في رواية رسمية، ان لين بياو حاول الهرب الى الاتحاد السوفياتي بعد قيامه بمحاولة انقلاب فاشلة.

   وبحسب هذه الرواية فان الاحداث جرت كالآتي:([1])

بالاشتراك مع ضباط كبار في الجيش الصيني وأبنه لين لغو، الذي كان ضابطاً برتبة رفيعة في القوات الجوية الصينية، أتخذ لين بياو القرار بالقيام بانقلاب على الزعيم ماو، وكانت خطة الانقلاب قد اتخذت الاسم الرمزي تمويهاً (الأمر 571 ضد(B52   وعندما يغير لفظ الرقم 571 يتحول الى الحروف qi yi zw  وهو ما يعني "انتفاضة مسلحة" في اللغة الصينية. وكان الرمز الكودي للزعيم ماو هو أيضا B52، وهو ما يطابق أسم الطائرة القاصفة الأمريكية الشهيرة أيضا، التي يعتبرها الصينيون المزعج الأكبر .

وكان "المتآمرون" يعدون ماو بوصفه "الطاغية الأكبر في تاريخ الصين" ويمضون إلى القول، أن B52 لم يبق من عمره سنوات كثيرة، والأعوام الأخيرة شهدت الأعداد لمرحلة ما بعد وفاته، وهو لا يثق بنا، وأن من الافضل خوض المعارك الأخيرة من انتظار أن يزجوا بنا في السجن. ومن أجل كسب هذه المعركة الأخيرة، فإن كافة المعارك مشروعة: القصف، الغاز السام، الأسلحة البايولوجية، الخطف، القتل، من إجل ابعاد ماو عن السلطة.

وقد تم الإعداد والتخطيط لثلاث ضربات ضد الزعيم ماو:

1) نسف القطار الذي يستقله وتفجيره في رحلته التفقدية إلى شنغهاي، والضابط الذي كلف بتنفيذ العملية، أصيب بالرعب قبل تنفيذ المهمة مما ادى الى افشالها.

2) قصف الفيلا الصيفية للزعيم ماو في شنغهاي. والطيارين الذين اختيروا لذلك ترددوا في ذلك ووضعوا الجبس في عيونهم ليصابوا بالتهاب في العين ليصبحوا في وضع لا يسمح لهم بالطيران.

3) والمحاولة الثالثة والأخيرة جرت ليلة 12 / سبتمبر – أيلول، حيث كان أحد الضباط المتواجدين في مقر إقامة الزعيم ماو في بكين بواجب الساعي الخاص الذي ينقل الرسائل الخاصة للزعيم ماو، أبدى الحراس الشكوك حوله ولما جرى تفتيشه وجدت لديه الأوامر الخطية باغتيال الرئيس ماو.

بعد ذلك كان قد غدا واضحاً، أن محاولة الانقلاب قد فشلت بصفة نهائية، ولم يعد أمامهم سوى الهرب.

وقد سرت خلال تلك الفترة اعلى درجات الانذار في صفوف القيادات الحزبية العليا، وكان من العسير التنبؤ أي وحدات عسكرية هي مع أو ضد الزعيم ماو. كما لم يكن واضحاً بدقة مدى عمق الخطط لدى الانقلابيين .و زعم رئيس الوزراء زهاو  فيما بعد أن لا أحد في بكين كان على علم دقيق بخطط الانقلابيين. وفي 12 / سبتمبر – أيلول، لم تكتشف خطط المتآمرين إلا لاحقاً بعد الإطلاع على الملفات والتخطيطات التي كان المتآمرون قد أعدوها.

   كان لين بياو وزوجته ياكون ونجله لين ليغو وبعض كبار القادة العسكريين، قد انسحبوا إلى بايداهي، والانتظار من هناك خطوات تنفيذ خطة الأمر 571 وتطوراته، حيث وصلتهم أخيراً أنباء فشل الانقلاب. ولاحتياطيات أمنية، كان لين بياو قد أمر بتحضير ثلاثة طائرات نفاثة من طراز ترايدنت (طائرة نقل ركاب بريطانية الصنع) التابعة لسلاح الجو الصيني، وكان رئيس الوزراء زهاو على علم بذلك، لذلك أصدر أمراً بمنع الإقلاع من كافة مطارات الصين.

   ولكن لين بياو نجح في حمل موظفي ومستخدمي المطار على تعبئة الطائرة بالوقود، وفي اللحظات الأخيرة حاولت عربة وقود صهريج إعاقة الإقلاع بوقوفها في المدرج، ولكن قائد الطائرة نجح بحركة بارعة من رفع الطائرة إلى الأعلى متفادياً عربة الصهريج، والإقلاع بها باتجاه الشمال، ويرجح أن يكون هدف الرحلة: الإتحاد السوفياتي. وكان على متن الطائرة: لين بياو وزوجته وابنه وخمسة من كبار القادة العسكريين
.

----------------------------------------

   وكان قد تناهى إلى الأسماع من الإشاعات الدائرة الزعم أن لين دودو ابنة لين بياو من زواجه الأول، كانت قد أطلعت رئيس الوزراء زهاو على خطط المتآمرين وأيضا على خطة هروب والدها في حالة فشل المؤامرة.

تحطم الطائرة:

   لقد هوت الطائرة وتحطمت على الأرض، شرقي العاصمة المنغولية أولان باتور. والأسباب ظلت مجهولة. وبموجب المعطيات الرسمية المنغولية، فأن الطيار قد أمتنع عن سلوك خط و وجهة طيران صوب الإتحاد السوفياتي، وبناء على ذلك فقد حصل أطلاق نار على متن الطائرة، هوت على أثرها وتحطمت على الأرض.

   أراء أخرى تتناقض مع هذا العرض، إذ تفترض نقص الوقود في الطائرة لم يوصلها إلى هدفها، إذ تعمد رجال الخدمات في مطار بيدايهي عدم تعبئة الطائرة بالوقود تماماً، كما تناهت إشاعات تقول أن طائرات مقاتلة صينية أطلقت النيران على طائرة لين بياو وإصابتها مما أدى إلى سقوطها، ثم وكاحتمال أخير: أن تكون قوات الدفاع الجوي المنغولية قد قامت بإسقاط الطائرة([2]).

   وبحسب الرواية الرسمية كان لين بياو في عداد ركاب الطائرة ولقي حتفه فيها عندما تحطمت. و زعم السوفيات إن اطبائهم فحصوا جثث الضحايا، و تثبتوا من ذلك، وتأكدوا من جثته وتشخيصه بدقة. وأخيراً، وبحسب الرواية الرسمية أيضا، فإن كافة الجثث لم تعاد إلى الصين، بل دفنت في مكان سقوط الطائرة!!

 

[1] - اكد الرفيق سام مارسي، مؤسس وقائد حزب العمال العالمي الامريكي، في كراسه "صين 1977: نهاية حقبة ماو الثورية" على عدم وجود أي دليل مادي يؤشر على قيام لين بياو بمحاولة انقلاب عسكري. في هذه الحالة يكون الهروب المزعوم للين بياو ورفاقه الى الاتحاد السوفياتي بواسطة الطائرة إن كان حصل فعلا هذا الفرار بسبب خوفهم من قمع ماو لهم بعد مخالفتهم لتوجه نحو التصالح مع الامبريالية الامريكية. لكن الرفيق سام مارسي يرجح ان لين بياو ورفاقه قد تم تصفيتهم جسديا في حقيقة الأمر ولم يموتوا في حادثة تحطم الطائرة المزعومة وأنهم لم يحاولوا الهرب أصلا. ويرى الرفيق سام مارسي ان "الانقلاب" المزعوم لو كان قد وقع فعلا، وهو شيء لا يرجح حصوله، فقد كان يستهدف اطاحة اللجنة المركزية التي، وكما اثبتت الاحداث بعد وفاة ماو، كانت تضم اكثرية من اليمينيين من دون اطاحة ماو تسي تونغ. – ملاحظة للصوت الشيوعي.

[2] - وحول الامكانية الأخير، ألا يحتمل ان قيادة بريجينيف التحريفية في الاتحاد السوفياتي السابق (وهي عدو لدود لليسار الثوري) قد تعاونت مع سلطة ماو (التي بدئت بالاتجاه نحو اليمينعلى الرغم من العداء الشديد بينهما، للتخلص من لين بياو ورفاقه الذين يمثلون اليسار الثوري في الصين وبالتالي فهم عدو مشترك للطرفين؟ ثم لماذا لم يعلن الاتحاد السوفياتي السابق في وقتها عن ان لين بياو كان احد ركاب الطائرة التي تحطمت وانه قد قتل بنتيجة تحطمها؟!! لماذا تكتم السوفييت على الأمر؟!! الم يكونوا اعداء الداء للصينيين وبالتالي كانت من مصلحتهم اذاعة الخبر في حينها بغية احراج الحكومة الصينية الماوية؟!! ألا بيدو هذا غريبا للغاية؟!! ألا يثير ذلك الشكوك حول وجود تنسيق بينهما؟!! رأي للصوت الشيوعي.

 

عودة الى قسم "لين بياو"