نبذة موجزة عن حياة الرفيق ماو تسي تونغ / بي بي سي


ماو: الربان الأكبر بين المد والجزر*

   يعد مؤسس الصين الحديثة وأحد أقطاب الشيوعية في العالم.

   لم يكن ماو تسي تونج (1893-1976 ) زعيم الثورة الصينية ومؤسس جمهورية الصين الشعبية فحسب، بل اصبح في وقت ما أحد اقطاب الشيوعية في العالم بممارسة مختلفة عن الشيوعية السوفيتية، لينينية كانت ام تروتسكاوية.

   ولد ماو تسي تونج في 26 ديسمبر عام 1893 في قرية شاوشان في اقليم هونان لوالد فلاح صارم بنى نفسه حتى اصبح تاجر حبوب.

   كان ماو من صغره متمردا على تقاليد والده الصارمة، فبينما أراده فلاحا رغب ماو في مزيد من التعليم.

مسيرة التعلم

   ترك ماو البيت في سن 13 ليذهب الى مدرسة ابتدائية في منطقة مجاورة، وفي عام 1911 وصل عاصمة الاقليم تشانجشا ليدخل مدرسة عليا.

   في تلك الفترة كانت مملكة تشينج قد انهارت وثورة صن يات سن في أوجها، والتحق ماو بوحدة للجيش الثوري لفترة قصيرة 6 اشهر ، ثم عاد الى تشانجشا ليقرر ماذا سيدرس وتأرجح بين القانون والتاريخ والأعمال الى ان استقر على التدريس ليتخرج من مدرسة للمعلمين في 1918.

   ذهب الى بكين للدراسة في الجامعة، ولما لم يكن لديه ما يكفي من المال درس منتسبا وعمل في مكتبة الجامعة 6 اشهر، وعاد الى نشانجشا ليمتهن التدريس.

   في تلك الفترة تعرف على عميد الكلية تشن تو هسيو وأمين المكتبة لاي تا تشاو، مؤسسي الحزب الشيوعي فيما بعد في مايو/ أيار 1921.

   في ذلك العام تزوج يانج كاي هوي ابنة معلمه التي اعدمها الكومنتانج عام 1930، لكنه منذ عام 1928 تعرف على فتاة صغيرة هي هو تسو تشن التي انجب منها خمسة أطفال حتى طلقها عام 1937، ثم تزوج الممثلة تشيانج تشينج التي كان لها دور كبير في الثورة الثقافية فيما بعد.

   ما بين 1920 و1921 كان ماو ينظم الطلبة والتجار والعمال لمعارضة سيطرة اليابان على الامتياز الالماني في اقليم شاندونج، احد شروط معاهدة فرساي بعد الحرب العالمية الاولى، الذي اعتبر اهانة للسيادة الصينية وولد مشاعر معاداة الامبريالية لدى الناشطين الصينيين.

المسيرة السياسية

   في عام 1921 كان ماو تسي تونج موفد إقليم هونان للاجتماع التاسيسي للحزب الشيوعي الصيني في شنغهاي.

   في عام 1923 طلبت الشيوعية الدولية (الكومنترن) من الشيوعيين الصينيين التحالف مع الحزب القومي (كومنتانج) بزعامة صن يات سن الذي كان ييسعى للتخلص من ملاك الاراضي الكبار وتوحيد البلاد.

   في 1924 انتقل ماو الى شانغهاي كمسؤول للكومنتانج، وبعد عام عاد الى هونان لينظم احتجاجات الفلاحين، ثم هرب الى كانتون، مقر قيادة صن يات سن الذي توفي فجأة في مارس 1925 وتولى تشيانج كاي تشك قيادة الكومنتانج.

   كان اول ما فعله تشيانج بعد تعزيز موقعه هو طرد الشيوعيين من القيادة وانفرط التحالف بين القوميين والشيوعيين في 1927 ليعود الشيوعيون الى الريف حيث قاعدة واسعة من الفلاحين الثائرين.

الماوية

   من هنا بدأت افكار ماو، التي عرفت في الادبيات الشيوعية فيما بعد بالماوية والتي ترى ان الثورة لا يمكن قصر القيام بها على الطبقة العاملة بل يمكن ذلك بالفلاحين ـ وهو ما حققه عمليا.

   كذلك بدأت بذور عداوته للقوميين وشكوكه حول الاتحاد السوفيتي، التي بلورت فيما بعد توجهه الشيوعي المختلف.

   في عام 1927 قاد ماو مجموعة صغيرة من الفلاحين من اقليم هونان الى اقليم جيانجزي الجبلي حيث كون هو واعضاء اخرين من الحزب الشيوعي حكومة على النمط السوفيتي وبدأوا في تكوين جيش فدائيين كان نواة الجيش الأحمر الذي هزم القوميين بعد 22 عاما ودحرهم الى جزيرة تايوان.

   مع بداية الثلاثينيات كان الكومنتانج قد هزم ملاك الأراضي ووحد البلاد وتحول للقضاء على الشيوعيين.

   وفي عام 1934 هاجم تشيانج معقل الشيوعيين في جيانجزي فاضطروا للفرار لتبدأ المسيرة الكبرى الشهيرة. وعلى مدى ستة الاف ميل من التراجع من جيانجزي الى بلدة يانان في اقليم شانزي باقصى الشمال، لم ينج سوى عشر جيش الفدائيين الذي بدأ بثمانين الفا.

   وعلى مدى عشر سنوات تلت كانت يانان معقل الشيوعيين، واصبح ماو تسي تونج الزعيم الشيوعي بلا منازع.

   وفي تلك الفترة مارس ماو ورفاقه عمليا ما تم بناء الصين الشعبية على اساسه فيما بعد، اذ احتضنهم الفلاحون بعد توزيعهم الاراضي وكتب ماو في ذلك الوقت عن تكييف الماركسية اللينينية لتناسب الوضع الصيني وعن ثورة القلاحين.

المسيرة الكبرى

   في عام 1937 غزت اليابان الصين وجدد القوميون والشيوعيون تحالفهم بتشجيع من القوى الجمهورية في البلاد ومن الكومنترن. وفي تلك الفترة زادت قوات الجيش الاحمر لتصل الى مليون وبسط ماو سيطرة الشيوعيين لتصل الى حوالى 100 مليون صيني.

   بعد عام واحد من انسحاب اليابان، دخل الصينيون في حرب أهلية مجددا حسمت في عام 1949 بهزيمة القوميين، وأصبح ماو تسي تونج رئيس الحزب الشيوعي الصيني ورئيس جمهورية الصين الشعبية الوليدة ورئيس اللجنة العسكرية التي تقود جيش التحرير الشعبي.

   بدأ ماو ورفاقه في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني جهدا لإعادة بناء الصين عبر خطط تنمية وثورات بعد ثورات.

   وعبر مبادرات وخطوات انجز ماو الإصلاح الزراعي والتعاونيات الزراعية وبسط مظلة الخدمات الصحية وغيرها.

قفزة ثم ثورة

   لكن مبادرة القفزة للامام عام 1958، بهدف تطوير الصناعة في الصين بالتوازي مع الزراعة لتجاوز انجاز الغرب، لم تؤت اوكلها وفشلت في اواسط الستينات. حينئذ انسحب ماو من المواقع التنفيذية وإن ظل رئيسا للحزب حتى وفاته.

   في 1965 بدا ان معاوني ماو من امثال ليو شاو تشي ودنج زياو بنج يتجاهلون حديديته في مسألة الصراع الطبقي ويتجهون نحو اعادة الرأسمالية الى الصين وهم ينفذون خطط التنمية، فاطلق ما عرف باسم الثورة الثقافية مستهدفا معارضيه ومستغلا غضب قطاعات من الطلاب سموا وقتها بالحرس الأحمر.

   الا أن الثورة الثقافية أدت الى اضطرابات اضطرته الى الاستعانة بالجيش لكبح جماحها عام 1967، وكان حليفه وقتها قائد الجيش وزير الدفاع لين بياو الذي قرر ماو ترشيحه خلفا له عام 1969.

   لكن صعود شواين لاي واتفاقه مع ماو على أن البعد عن الاتحاد السوفيتي يقتضي انفتاحا على أمريكا لم يكن مقبولا لدى لين. وفي عام 1971 قتل لين بياو في تحطم طائرة بينما كان في طريقه للهرب بها بعد اتهامه بمحاولة اغتيال ماو كما ادعت الحكومة الصينية الماوية في روايتها الرسمية.

   وبعد الثورة الثقافية بدا ان البراجماتيين بقيادة دنج زياو بنج قد كسبوا الجولة، الا ان الثوريين تفوقوا عليهم مؤقة اثر وفاة شواين لاي في يناير 1976.

   يقال ان ماو اختار شخصية وسطية لقيادة البلاد من بعده هو هوا جو فنج حيث ادعى هذا الاخير ان ماو قال له وهو على فراش الموت "سيكون قلبي مطمئنا ما دامت الدفة بين يديك". ولو صح ذلك لكان هذا واحد من اكبر اخطاء ماو تسي تونغ الفادحة حيث تبين فيما بعد ان هوا جو فينج ليس سوى تحريفي خائن. فبعد وفاة ماو بشهر قام هوا باعتقال الثوريين وفي مقدمتهم من عرفوا بعصابة الاربعة: زانج شون كياو ووانج هونج وين وياو ون يوان وتشيانج تشينج (زوجة ماو) واوقف الثورة الثقافية البروليتارية العظمى واعاد تأهيل من اسقطتهم هذه الثورة وفي مقدمتهم الخائن دينغ زياو بينغ مما ادى في نهاية المطاف لاعادة الرأسمالية الى الصين وسقوط االشيوعية الماوية والنظام الاشتراكي الذي شيده ماو تسي تونغ في هذا البلد.


 * المصدر : القسم العربي في موقع هيئة الاذاعة البريطانية B.B.C (نقله الصوت الشيوعي بتصرف) .

 

عودة الى قسم "ماو تسي تونغ"