لماذا قسم خاص عن الماوية؟


   تحتل الماوية مكانة خاصة جدا في الفكر الشيوعي وازدادت اهميتها بصورة كبيرة بعد سقوط الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفيياتي السابق.

   شكلت الماوية منذ ظهورها مدرسة متميزة في الفكر الشيوعي. نظر البعض اليها بوصفها محاولة لتكييف الماركسية – اللينينية (الاوربية) لظروف مجتمع آسيوي وبالتالي اعتبروها شكل للشيوعية العالم ثالثية تصلح لباقي شعوب ومجتمعات العالم الثالث. ونظر لها البعض الآخر، كالستالينيين واتباع الماركسية السوفييتية، بوصفها "تحريف" للماركسية – اللينينية واعتبروها تعبير عن البرجوازية الصغيرة ولا تمت بصلة للافكار الثورية للطبقة العاملة!!

   ادى الانهيار المأساوي للاتحاد السوفيياتي السابق والمعسكر الاشتراكي التابع له الى التثبت من فشل النمط الروسي للنظام الاشتراكي مما حرم الكثير من الاحزاب الشيوعية التي اعتنقت الماركسية السوفييتية من النموذج الاقتصادي الذي كانت تطرحه كبديل عن الرأسمالية التي تناضل ضدها.

   هنا ظهرت اهمية الماوية كبديل لا بد منه عن الشيوعية الروسية. فعلى الرغم من ان الاشتراكية الماوية انهارت في الصين قبل انهيار الاشتراكية السوفيياتية، الا ان هناك فارق جوهري بين انهيار كل منهما. ففي الوقت الذي فشلت الاشتراكية الروسية اقتصاديا، فشلت الاشتراكية الماوية سياسيا فقط ولم تفشل كنظام اقتصادي.

   فعلى الرغم من ان الثورة الصينية لم تنجح في اقامة نسخة راقية من دكتاتورية البروليتاريا، حيث ان الفلاحين والعمال لم يكونوا هم من حكم الصين الشعبية في عهد ماو تسي تونغ، وعلى الرغم من اخطاء الرفيق ماو في الفترة الاخيرة من حياته والتي تمثلت ﺒ :

1) حرفه مسار الثورة الثقافية لليمين من خلال اجهاض تجربة "كومونة شنغهاي" وحله بعد ذلك للحرس الاحمر،

2) اسقاطه للرفيق لين بياو، نائبه ورفيقه في السلاح، وما نتج عن ذلك من دق عنق اليسار الثوري في الصين. فقد ادى اسقاط لين بياو الى انتقال السيطرة على الجيش التحرير الثوري الصيني الى اليمين. لقد مثل سقوط لين بياو بداية الردة اليمينية في الصين ....

3) السياسة الخارجية الكارثية التي اتبعها ماو تسي تونغ تجاه الاتحاد السوفياتي والتي اعتبرته العدو الاول لشعوب العالم والاشد خطرا عليها من الامبريالية الرأسمالية!!

   وحول هذه النقطة، نود هنا أن نسأل: اذا كان الأتحاد السوفياتي، والمعسكر التابع له، هو الخطر العدو الاول للشعوب واشد خطرا من الامبريالية الرأسمالية فلماذا اصبح العالم اشد سوءً بعد انهيار المنظومة السوفياتية؟!! لماذا اصبحت شعوب العالم في ضنك وبؤس اشد بما لا يقارن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي؟!! دول دمرت كالعراق، وسوريا، وليبيا، واليمن ... ، دول تم تقسيمها كيوغسلافيا والسودان الذي اصبح سودانين ... ، حروب اثنية وقبلية وتخلف لم يسبق له مثيل، ابادة جماعية كما حصل للتوتسي على يد الهوتو في رواندا وما حصل من ابادة في يوغسلافيا السابقة خلال حرب البلقان ... ، انبعاث ديناصورات الخرافات والرجعية الدينية من مقابرها، وسيطرة الجماعات الفاشية الأسلامية الرجعية السلفية المعادية على للأنسانية على الشارع ونجاحها في غسل عقول الشباب ... ، تراجع حركة تحرير المرأة وتصاعد اضطهادها في المجتمع بصورة لم يسبق لها مثيل ... ، الضعف الشديد الذي اصاب الاحزاب والتنظيمات الثورية - بما في ذلك الماوية منها، ونذكر هنا منظمة الدرب المضيء في البيرو كمثال صارخ - .

   نعم لقد كان الأتحاد السوفياتي السابق تحت حكم برجنييف يسلك سلوك دولة امبريالية، لكن هذا ليس كل شيء. فقد كان لا يزال دولة عمالية - وإن يكن من نمط منحط - وكان المجتمع السوفياتي لا يزال مجتمع اشتراكي - وإن شوهته البيروقراطية بالفساد والرشوة والاختلاس الذي كانت تمارسه وما نتج عن ذلك من زيادة التفاوتات الاجتماعية بين الجماهير وهذه البيروقراطية - . فالاتحاد السوفياتي السابق كان يسلك سلوك مزدوج: فهو من جهة دولة عمالية ومجتمع اشتراكي مشوهين، وهو من جهة اخرى دولة امبريالية تمارس الاستعمار، وبالتالي لا يصح بأي حال من الأحوال اعتباره اكثر شراً واشد خطراً على الانسانية من الامبريالية والاستعمار الرأسماليين. وللمزيد حول ذلك راجع مؤلف الرفيق سام مارسي، مؤسس وقائد حزب العمال العالمي الأمريكي، المعنون: "الصفة الطبقية للاتحاد السوفياتي"

5) دعم الصين الشعبية، في الفترة الاخيرة من حياة الرفيق ماو، لانظمة رجعية معادية للجماهير كنظام السفاح جعفر نميري في السودان....

6) تهجم الصين الشعبية خلال عهد الرفيق ماو على انغولا الثورية، من دون مبرر، وتأييدها للثورة المضادة في هذا البلد!!

7) الخيانة العظمى للشيوعية التي اقترفها الشيوعيون الماوييون في افغانستان عندما رفعوا السلاح بوجه الجيش الأحمر السوفياتي وحكومة افغانستان الثورية و حاربوا في صفوف الثورة المضادة الى جانب جماعات الرجعية الدينية الفاشية الاقطاعية ضد الثورة الاشتراكية التي فجرها الحزب الشيوعي الأفغاني (حزب الشعب الديمقراطي) العظيم بقيادة زعيمه الخالد الرفيق بابراك كارمل. ومما يجدر التنويه عنه هنا ان الحزب الشيوعي الأفغاني العظيم - وتحت القيادة المظفرة لزعيمة الخالد الرفيق بابراك كارمل - فجر الثورة الاشتراكية في أفغانستان واستولى على السلطة بجهوده الذاتية وبالضد من رغبة الاتحاد السوفياتي السابق، حيث وجه بريجينييف آنذاك بعدم استيلاء الشيوعيين الأفغان على السلطة ودعمهم للنظام الأفغاني القائم آنذاك ....

   برغم كل هذه الاخطاء، التي ادت الى نفور اليسار من الماوية، يحتل فكر ماو تسي تونغ والممارسة الماوية مكانة بالغة الاهمية في الفكر الشيوعي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي كونها تعطي البديل الاقتصادي العلمي الصحيح للبناء الاشتراكي الذي يعوض عن نموذج الاشتراكية الروسية الذي ثبت فشله، هذا بالاضافة الى انجازاتها النظرية الاخرى في تطوير الفكر الشيوعي ....

   من هنا تتأتى اهمية الماوية كمرحلة ثالثة للشيوعية العلمية. فمن دون الماوية لا يمكن اعادة تسليح الحركة الشيوعية فكريا.

   يسعى قسم "الشيوعية الماوية" في هذه المكتبة لتوفير كل ما يلزم من نصوص و وثائق ضرورية ومفيدة لدراسة النهج الماوي الصيني والتعرف على صحيحه وتميزه عن اخطائه، وتصحيح هذه الاخطاء – التي ادت الى انهيار التجربة الصينية –، بغية اعادة بناء الحركة الشيوعية المحطمة.